يرث الشخص الطبيعي كروموسوم واحد 15 من الأم والآخر من الأب. وبسبب عملية تسمى النسخ الجيني (genomic imprinting) فإن الجينات من الأب فقط هي التي تنشط في موقع معين على الكروموسوم 15 المشار إليه باسم (15q11-13). عادة تكون كل من نسخ الأم والأب من نفس الجينات نشطة. إلا أن نُسَخ الجينات المحددة في هذا الموقع (15q11-13) الموروثة من الأم معطلة (غير نشطة) بشكل طبيعي فينا جميعًا. فعندما تكون نُسَخ الأب من هذه الجينات مفقودة أو معطلة أيضًا فلن تكون أي من النسختين من كل من هذه الجينات المطبوعة موجودة أو نشطة وهذا ينتج عنه متلازمة برادر ويلي.
حذف في الموقع المحدد على الكروموسوم 15 الموروث من الأب (نوع الحذف الأبوي) 70 ٪
وراثة نسختين من الكروموسوم 15 من الأم (UPD) 25 ٪
وشكل ثالث نادر جدًا يُشار إليه باسم (Imprinting Defect) 5 ٪
في حين تختلف طبيعة واحتياجات الأشخاص المصابين بمتلازمة برادر ويلي فقد حددت الأبحاث خصائص معينة شائعة بشكل خاص لدى مرضى هذه المتلازمة.
من بين هذه السلوكيات الإفراط في الأكل (الشراهة) وهو أبرز ما يمكن التعرف عليه منذ الطفولة المبكرة وما يصحبه من خطر الإصابة بالسمنة الشديدة لاحقًا إذا لم يتم التحكم في الوصول إلى الطعام.
نوبات الغضب الكثيرة.
السلوكيات المتكررة (يشار إليها أحيانًا بسلوكيات الوسواس القهري)
نتف الجلد.
تؤثر هذه المجموعة من السلوكيات بدرجات متفاوتة عادة على الأشخاص المصابين بمتلازمة برادر ويلي بغض النظر عن السبب الجيني الدقيق لها ويشار إليها باسم “النمط الظاهري السلوكي” لمتلازمة برادر ويلي.
بالإضافة إلى السلوكيات الموصوفة أعلاه قد يعاني الأشخاص المصابون بمتلازمة برادر ويلي من قلق كبير خاصة في حال طرأ تغيير ما على روتين حياتهم وقد يواجهون أيضًا تغيرًا في الحالة المزاجية. كما أنهم عرضة لتقلبات مزاجية تمتد لفترات طويلة وفي بعض الأحيان تنقلب هذه الحالة إلى الاكتئاب.
والاكتئاب هو أكثر من مجرد الشعور بالحزن فمن أعراضه
وقد تؤدي هذه المشاعر بالتالي إلى الشعور باليأس والعجز وأن الشخص غير محبوب أو أن الآخرين أفضل حالا ً بدونه. إذا لوحظ عند الشخص أي أفكار لإيذاء النفس فيجب اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع حدوث ذلك وقد يشمل ذلك الإشراف المستمر و/ أو الدخول إلى المستشفى.
يتميز الهوس الخفيف (وهو شكل أقل حدة من الهوس) بـ
زيادة النشاط والطاقة
انخفاض الحاجة إلى النوم
التحدث بشكل مفرط مع الميل للانتقال من موضوع إلى آخر وأحيانًا التهيج والإثارة المستمرة المرتبطة غالبًا بالإكثار من النقاش ونوبات الغضب.
وقد يُظهر الشخص زيادة في تقدير الذات ويعتقد أنه يمكنه القيام بأشياء لا يستطيع القيام بها (العظمة).
وقد ينخرط في سلوكيات تنطوي على مخاطر عالية لعواقب مؤلمة أو نتيجة سلبية.
في بعض الأحيان يُظهر مرضى برادر ويلي تغيرًا في السلوك ناتج عن نوبات من الهوس الخفيف التي قد تظهر بمزاج عالي جداً يمكن أن تستمر لمدة أربعة أيام أو أكثر. لكن بشكل عام هم قادرون على الاستمرار في أداء أنشطتهم اليومية ولا يتسببون في إصابة أنفسهم أو الآخرين بأذى. من ناحية أخرى فإن الهوس الحاد لديه جميع أعراض الهوس الخفيف ولكن بدرجة ومدة أكثر شدة. يصبح تفكير الشخص وحكمه ومستوى أداءه الوظيفي ضعيفًا لدرجة أنه يؤدي إلى عواقب سلبية أو إصابة لنفسه أو للآخرين ونتيجة لذلك قد يتطلب فترة من الدعم النفسي في المستشفى. في حال تكررت التقلبات المزاجية ارتفاعاً وانخفاضاً لمدة من الزمن فيُشار إلى ذلك باسم (الاضطراب ثنائي القطب).
عند حدوث هذه التقلبات المزاجية من المحتمل أن ترى تفاقمًا في السلوكيات الأساسية لمتلازمة برادر ويلي مثل البحث عن الطعام أو التكرار أو نتف الجلد أو كثرة الجدال أو نوبات الغضب. تكثر هذه الاضطرابات المزاجية (والتي يشار إليها أيضًا باسم “الاضطرابات العاطفية”) خلال سنوات المراهقة ويمكن أن تؤثر على الأشخاص المصابين بمتلازمة برادر ويلي بغض النظر عن النوع الفرعي للمتلازمة. ومع ذلك فإن الأفراد المصابين بنوع UPD هم أكثر عرضة للإصابة باضطراب ثنائي القطب.
أحيانا يظهر على الشخص المصاب بمتلازمة برادر ويلي تغيرًا مزاجيًا خفيفًا (هوس خفيف) أثناء تناول مضادات الاكتئاب لعلاج القلق أو الاكتئاب أو مشاكل السلوك المرتبطة بمتلازمة برادر ويلي. إذا استمر هذا النمط من التقلب المزاجي بعد التوقف عن تناول الأدوية المضادة للاكتئاب فمن المحتمل أن يكون الشخص مصابًا باضطراب ثنائي القطب.
يشير الاضطراب الذهاني (أو الذهان) إلى مرض يتميز بظهور معتقدات عقلية وخبرات إدراكية غير طبيعية. وهذا يشمل الأوهام مثل الاعتقاد مثلاً بأن شخص ما أو شيء ما سيؤذي الشخص أو يؤثر عليه بطريقة ما كما يشمل الهلوسة مثل سماع أصوات غير موجودة (عادةً من خارج الرأس) تتحدث مع المريض أو تعلّق على أفكاره.
في بعض الأحيان يمكن أن تكون الهلوسة بصرية مثل رؤية أشياء أو أشخاص ليسوا موجودين أو عن طريق اللمس مثل الشعور بأشياء غير موجودة على الجلد. هذه التجارب الإدراكية حقيقية جدًا للشخص الذي يختبرها وغالبًا ما تكون مخيفة. وقد يبدو للآخرين أن أفكار الشخص قد أصبحت مشوشة.
عندما يعاني الشخص المصاب بمتلازمة برادر ويلي من الذهان يمكن أن يصبح مرتبكًا ومحتاراً بحيث لا يميز مكان وجوده أو تاريخ اليوم. في مثل هذه الحالة يشمل التقييم النفسي تقييمًا منهجيًا للحالة العقلية للشخص عن طريق السؤال على وجه التحديد عن وجود أو عدم وجود الظواهر العقلية المذكورة أعلاه. في بعض الأحيان قد لا يكون الشخص مستعدًا أو قادرًا على وصف التجارب العقلية غير الطبيعية التي يمر بها ولكن يتضح الأمر من خلال التعليقات الغريبة التي يدلي بها أو طريقة تصرفه.
الأشخاص المصابون بمتلازمة برادر ويلي لديهم قابلية كبيرة لحدوث القلق والتوتر وهذا يعرضهم لخطر الإصابة باضطرابات المزاج.
تشمل اضطرابات المزاج الاكتئاب والاضطراب ثنائي القطب (الاكتئاب بالإضافة إلى الهوس الخفيف أو الهوس الحاد).
قد يؤدي تناول بعض مضادات الاكتئاب إلى تغير في المزاج والسلوك الأمر الذي قد يؤدي إلى حدوث اضطراب ثنائي القطب.
يرتبط مرض الذهان بمعتقدات عقلية وخبرات إدراكية غير طبيعية وتدهور في مستوى الأداء الوظيفي. من المرجح أن يحدث في سن المراهقة أو الشباب وليس قبل ذلك.
يمكن أن يحدث مرض الذهان مترافقاً مع اضطرابات المزاج في الأشخاص المصابين بالنوعين الثاني والثالث من برادر ويلي (UPD – Imprinting Defect) أكثر من الأشخاص المصابين بالنوع الأول من المتلازمة (الحذف) وهم أكثر عرضة للإصابة بالذهان مع اضطراب ثنائي القطب.
يتطلب ظهور أي تغييرات في السلوك أو الحالة العقلية للشخص المصاب بمتلازمة برادر ويلي إجراء تقييم عاجل لتفنيد كل الأسباب المحتملة. وفي حال تم تأكيد وجود مرض الذهان فهناك علاجات متوفرة فعالة.
تؤدي عملية التقييم الأولية هذه إلى ما يتم وصفه غالبًا بمصطلح “التشخيص التفريقي” أي وضع قائمة بالأسباب المحتملة التي يتم إبعادها تباعاً بعد ذلك من خلال المزيد من الفحص ودراسة تاريخ المريض. بهذه الطريقة يتم الوصول إلى التشخيص وفهم جميع العوامل الأخرى ذات الصلة التي توصل إلى التشخيص النهائي وبالتالي خطة العلاج.
يبدأ علاج الذهان بدراسة مفصلة عن تاريخ المريض وفحص دقيق يؤدي إلى فهم وتشخيص الحالة وإبعاد الأسباب المحتملة الأخرى التي قد تؤدي للتدهور.
إذا كانت الحالة مُستَعجلة يجب أن يركِّز التقييم والدعم على ضمان أن يكون الشخص آمنًا وإذا كان الشخص يمثل خطرًا على نفسه أو على الآخرين فيجب وضع المريض في مكان آمن (مثل المشفى) خلال تقييم الحالة.
يجب إعطاء الأدوية النفسية (خاصة فئة الأدوية المشار إليها باسم مضادات الذهان أو المهدئات الرئيسية) لعلاج الحالة العقلية غير الطبيعية للشخص. تعتمد الأدوية المختارة بشكل أساسي على التشخيص.
جميع الأدوية لها آثار جانبية وقد يكون الأشخاص المصابون بمتلازمة برادر ويلي أكثر عرضة للآثار الجانبية السلبية بسبب خلل في الكيمياء العصبية للدماغ لديهم لذا فإن الاختيار الدقيق للأدوية ومراقبة الآثار الجانبية أمر ضروري.
بمجرد استقرار الحالة العقلية وعودة سلوك الشخص إلى طبيعته يجب إعادة تقييم نظام الدواء لضمان الحفاظ على فوائد العلاج وتقليل أي آثار جانبية.
على المدى الطويل من المهم الحفاظ على قفل الطعام وإبعاده عن المريض و ضمان بيئة منظمة مع فرص مجدية للشخص المصاب بمتلازمة برادر ويلي والتأكد من أن أولئك الذين يقدمون الدعم على دراية بمرض الشخص بحيث إذا حدث مرة أخرى سيتم التعرف عليه ومعالجته على الفور.
يعد تطور مرض عقلي مثل اضطراب المزاج أو الذهان أمرًا صعبًا لجميع الأشخاص المحيطين بالمريض بما فيهم المريض نفسه. ليس من غير المألوف ألّا يفهم الشخص المصاب أنه قد أصيب بمرض وبالتالي قد يكون غير راغباً في قبول العلاج. في بعض الأحيان عندما يظهر لدى الشخص مشكلة عقلية وخاصة إذا كانت هناك مخاوف بشأن المخاطر التي يُعرّض لها نفسه أو الآخرين فهناك قوانين معينة (اعتمادًا على البلد الذي يعيش فيه الشخص) يمكن استخدامها لإحضار شخص ما إلى المستشفى بدون موافقته من أجل توفير إشراف دقيق وضمان أنه يأخذ العلاج في شكل دواء. بمجرد أن تبدأ حالة الشخص العقلية غير الطبيعية في التحسن قد تتوضح له الأمور ويقبل المساعدة التي يتم تقديمها. ثم ستقل المخاوف بشأن المخاطر أو سلوك الشخص.
يمكن أن تتخذ الأمراض العقلية أشكالًا مختلفة وقد تختلف كيفية ظهور هذه الأمراض ومسارها. من خلال المراقبة وتقديم الدعم على المدى الطويل يمكن تحديد ما إذا كانت هناك حاجة إلى دواء نفسي مستمر أم لا وإذا كان الأمر كذلك فما هي الجرعة المثلى وما إذا كانت خطة الدعم المناسبة موجودة أم لا لضمان الشفاء التام والعودة لنوعية حياة جيدة.
The Mental Health of People with PraderWilli Syndrome